كولاج الرسائل (2024): التفتيش فى الكتابة

فى محاولة ختامية أقلب فى سبعة أعداد من هذه النشرة كتبتها فى سنة، أراجع بها بعض أفكارى التى تطورت بفضل صياغة هذا المشروع الوليد، فأربطها ببعضها البعض، وأعيد صياغة البعض الآخر، مع إعادة تقديم بعض قراءاتى التى رشحتها هذا العام.

مصطفى على أبو مسلم

التدوين فى سطور واسعة

أدين بالفضل إلى التدوين اليومى، ليس على مستوى الكتابة فحسب، وإنما على المستوى الإنسانى، إذ جعلنى أكثر وعيًا بذاتى، وصرت أشعر بانتظامى عليه أنى أسمع صوتى أكثر وضوحًا من قبل، وبعيدًا عن التشويش الذى يتسبب فيه الاختلاط مع الآخرين.

فى أولى تدوينات هذه النشرة، تناولت تأثير المساحة المادية التى وفرتها الدفاتر الورقية ذات القطع المتوسط لكلماتى، إذ جعلتنى أسهب فى الكتابة عن أفكار وقصص لم أكن أتطرق لها فى دفاتر أصغر حجمًا تعودت على الكتابة فيها.

أدركت أيضًا أن المساحة، بمعناها المجازى، التى نمنحها للكتابة هى ما تمنحنا الفرصة للتأمل والتقاط الأنفاس وتقربنا من أنفسنا كبشر وكُتاب.

كتابة سريعة التحضير

بعد عدة شهور من هذه التدوينة عدت لمسألة التأمل والتمهل والتقاط الأنفاس بالكتابة، وفكرت فى الفرق بين الكتابة كفعل ذاتى، والكتابة للمشاركة المقترنة بالنشر الفورى فى منصات السوشيال ميديا، إذ أعادت لى تجربة شخصية هذه الفكرة.

بغياب عم سمير الحلاق عن الحارة لوعكة صحية أقعدته أسابيع عن العمل، وجدت فى نفسى رغبة فى مشاركة مشاعرى تجاه هذا الغياب، وتجاه تغير وجه الحى الذى عرفته طفلًا، ولم أجد مساحة مشاركة فورية مثل حسابات الفيسبوك وتويتر إذ أغلقتها جميعًا منذ عدة سنوات، ولم يتبق لى إلا التواصل المباشر والشخصى عبر واتساب مع دائرة ضيقة من أصدقائى.

وفى تمهلى أمام هذا الفيض من المشاعر تذكرت كم مرة استهلكت مشاعرى وأفكارى فى خواطر “سريعة التحضير” أنشرها على منصات السوشيال ميديا التى لم تكن إلا مقبرة للكتابة طوال السنوات الماضية، وأن هذه المشاركة مهما كانت صادقة، كانت لتوئد كل المعانى التى تحتاج إلى التمهل والتأمل.

تدنيس الكتابة

ومن المساحة التى نمنحها للكتابة إلى “المسافة”، انتقلت فى تدوينة العدد الثانى إلى التأجيل والتسويف فى الكتابة الذى قد ينضوى على تقديس وهمى للكتابة، يصاحبه تواضع زائف يخفى داخله نوعًا من الغرور، ففيها يؤجل إنجاز عمله الأدبى لأنه يرسمه في خياله كأحد أهم مُنجزات عصره، فتنشرها أكبر دور النشر، وتباع من نسخها الآلاف، ويرشح عنها لأبرز الجوائز.

ولأنه لم يصل إلى تلك المكانة حيث يستطيع الكتابة كما ينبغى لها أن تكون، وليس كما كانت قبل أن يمسك قلمه الاستثنائى، فإنه ينتظر النسخة الأفضل منه، التى ستأتى حتمًا إن انتظرها للوقت الكافى، لتحمل عبء هذه المهمة المُقدسة. ولن ينكسر ذلك التواضع الزائف إلا بتورطه في مشروع سردى.

“الاحتراق عمدًا”

كلما تمعنت فى علاقتى بالكتابة وجدت أستاذى وصديقى معتز صلاح يقف فى كل ركن بنيت عليه هذه العلاقة، يُكرّر معتز صلاح أننى مشروعه، فأُخفى امتعاضى أحيانًا، وأبديه أحيانًا أخرى. يُجرّدنى تعبيره هذا من أية خبرة كوّنتها بعيدًا عن تجربة تلمذتى على يديه كلَّ هذه السنوات. أكثر ما يثير ضيقى أنَّ ما يقوله هو أقرب إلى الحقيقة بشكل ما.

يكفى قراءة نصوصى القديمة لأرى – بنفسى – كيف كنت أكتب جمله القصيرة، وأرسم صوره المتلاحقة فى فقرات شديدة التكثيف تتكون من سطرين، وأُظهر حِسَّه الساخر الغارق فى عالم داخلى من التهاويم.

ألهذا السبب هجرت الكتابة لسنوات؟! هربًا من أن أكون نسخة مُقلدة عنه؟ أم من حصار إيمانه بموهبة لم أصدق يومًا بأنى أمتلكها؟!

فى تدوينة أقرب لبورتريه، أستعيد بداية علاقتى بالكتابة بتحليل ذلك الشخص الذى كان وجه الكتابة والأدب بالنسبة لى فى سنوات الكتابة الأولى، وأستعرض تجاربه ومفاهيمه الغريبة على نحو ما عن الكتابة.

أجراس المقاومة

لعدة أشهرٍ توقفت عن الكتابة وإرسال النشرة إلى مشتركيها، وفيها دخلت معارك عدة فى مواجهة الصفحات الفارغة من أجل كسب أرض الشعور بالجدوى، ذلك الشعور الداعى لفعل أى شىء، والقادر على إنهاء حالة الجزع التى سيطرت على أغلبنا أمام هول ما نشهده طوال عام من الإبادة.

كنت أتساءل؛ هل يمكن أن يكون الأدب مجديًا وقادرًا على المقاومة فى اللحظة الراهنة؟ هل يستطيع أن يوقف – أو على أقل تقدير يعطل – آلة الحرب شديدة البطش التى لا تحارب مَن يُقاومها فحسب بل تَبيد الناس وَتُسَوِّى مَا كان وطنًا لهم بمستوى الأرض.

وإنْ لم يكن هذا دور الأدب – أو دور أى شىء آخر نفعله – فما الداعى للاستمرار فى ممارسته؟ إنَّ هذه الحرب أعادت تعريف أبسط الأشياء لكل مَن يحمل بين ضلوعه قلبًا سليمًا، فكان من الطبيعى أن يُطرح هذا السؤال ضمن أسئلة أخرى، وحاولت الإجابة عبر تحليل أثر ثلاثية “الأجراس” لإبراهيم نصر الله” على نفسى.

تدوينات أخرى:


مجلة الحائط

مقالات

  • سلسلة مقالات محذوفة – اسم الكاتب، على فكرة

لسوء الحظ، رشحت فى العدد التجريبى سلسلة من المقالات نشرتها زميلة عزيزة بموقع على فكرة منذ عدة سنوات، وهى مقالات ذاتية تتمتع بصدق وعمق شديدين.

وموطن سوء الحظ أنها عندما تلقت تعليقات إيجابية عن السلسلة، التفتت لها ورأت لأسباب شخصية – لم توضحها لى- طلبت أن أمسح هذه السلسلة من الموقع، وقد فعلت احترامًا لرغبتها.

طرح هذا الموقف تساؤلًا عن إعادة الكاتب تقييمه لما يكتبه بعد نشره، وهل يمكن أن يعيد عقارب الزمن إلى الوراء حيث يمحو الحروف التى خرجت إلى الفضاء العام، فهى بالتأكيد محفوظة لدى شخص ما فى مكان ما.


دون باول وأدبها اللذان نسيهما العالم

مايكا هايزل، ترجمة: أسامة حماد، كتب مملة

بقراءة عنوان المقال شعرت باهتمام بالغ لمعرفة شىء جديد عما أسميه أدب المجهولين، وبعد معرفتى مصير الكاتبة الأمريكية، التى بدت بحسب المقال ذكية ونابضة بالحياة، أصابنى غم شديد، وبعدها نازعنى ذلك الخاطر الغريب بأنه قد يكون من الأفضل أن تعيش لمرة واحدة ثم يطويك النسيان. لكن ألا يرغب من لديه شغف بالكتابة أن تبقى أعماله حية تتوارثها الأجيال؟!

إدوارد سعيد والمُحرّر الأدبي

إنعام كجه جى، جريدة الشرق الأوسط.

تستدعى الصحفية والروائية العراقية واقعة روتها رنا إدريس، مديرة دار الآداب، عن إدوارد سعيد، الذى حمل إليها نسخة كتابه «خارج المكان» بخط يده وعليها تصحيحات محرره بالخط الأحمر، ويوشك ألا يكون سطرًا واحدًا خاليًا منها؛ ومع ذلك كان يشعر المفكر الفلسطينى بالاطمئنان والفخر بجهد محرره.

وتشير كجه جي إلى أن العمل الأدبى الجيد فى الغرب يأتى بشراكة الكاتب والمحرر الذي يأتى دوره مكملًا لدور الكاتب، بما يتمتع به من خبرة في اللغة وتركيب الجملة السليمة ولديه من الإبداع ما يمكنه من حذف واقتراح جمل وفصول.

مقالات أخرى:


كتاب العدد

رسائل إلى شاعر شاب، راينر ماريا ريلكه – 1929، ترجمة صلاح هلال، دار الكرمة – 2018

فى خريف 1902 قرر شاعر مبتدئ يُدعى فارنتز زافر كابوس مراسلة أحد أبرز علامات الشعر فى عصره طالبًا منه النصح فى مساره الأدبى. أرسل كابوس إلى راينر ماريا ريلكه محاولاته الشعرية مرفقًا إيَّاها برسالة عبَّر بها عن نفسه دون تحفظ، وبعد عدة أسابيع وصله رد ريلكه الأول، واستمرت هذه المراسلات حتى 1908.

جمع كابوس 10 رسائل تلقاها من أستاذه بالمراسلة فى كتاب نُشر لأول مرة سنة 1929 بعنوان “رسائل إلى شاعر شاب”. وقال الشاعر الشاب في مقدمة الكتيب، الذى تقع نسخته العربية فى 60 صفحة، إن هذه الرسائل المُختارة تُلقى نظرة على العالم الذى عاش فيه ريلكه، وأنها مهمة لكل مَنْ هُم فى مرحلة النضج والتطور.

تمثل رسائل ريلكه التى يصف فيها مشاهد من المدن التى يكتب منها، وبعض قراءاته وتأملاته، إطارًا فلسفيًا وفنيًا لما يجب أن يكون عليه الكاتب، وربما هذا أهمُّ من توجيه النصح وتعليم تقنيات الكتابة، فعلى سبيل المثال يتطرق إلى مسألة مصدر إلهام الشاعر، وإن لم تكن حياته اليومية غنية، إذ أن “الإنسان المبدع لا يعرف الفقر” على حد تعبيره، فهو يدعو تلميذه فى عدة رسائل إلى سبر غور نفسه، وحب الأسئلة، والاتصال بذكريات الطفولة.


رسائل إلى روائى شاب –  ماريو بارجاس يوسا، ترجمة: صالح علمانى – دار المدى

يفتتح الكاتب البيرونى ماريو بارجاس يوسا كتابه الرائع “رسائل إلى روائى شاب” بالرد على رسالة ذكرته بنفسه عندما كان فى مقتبل العمر ولديه ميل للأدب، لكنه لم يجسر على الكتابة إلى أعلام الكتابة آنذاك طالبًا للتوجيه.

وفر يوسا عناء التردد على آلاف من الكتاب الذين لديهم ميل يصعب تفسيره نحو الأدب، فكتب اثنتا عشرة رسالة ضمها كتابه الذى يقع فى 130 صفحة فى نسخته العربية. وتناول كتاب الروائى، الحائز على جائزة نوبل في الآداب سنة 2010، عددًا من النظريات التى تخص الرواية، ومنها الميل الأدبى والقدرة على الإقناع والأسلوب والرواى والزمان والمكان ومستوى الواقعية.


الحكاية وما فيها.. مبادىء السرد وأسرار وتمارين – محمد عبد النبى، (هنداوى – دار الكرمة)

أرشح الكتاب للممارسة وليس للقراءة، إذ أدعوك إلى قراءة مقالين أو ثلاثة على الأكثر في الجلسة الواحدة بغرض تطبيق بعض تمارينها عمليًا، فتستفيد استفادة كاملة من هذا العمل.

سيعينك هذا الكتاب على عملية ممارسة – واسميها كما أسلفت تدنيس – الكتابة، وفك عثرة الكاتب (Writer block)، والتقاط وتطوير أفكارك على عدة مستويات. يمكن الاستعانة أيضًا بالمصادر التي استند عليها عبد النبى في مقالاته، فقد تجد من بينها ما يساعدك في رحلتك مع الكتابة.

كتب أخرى

تاييس – أناتول فرانس، ترجمة أحمد الصاوى محمد، دار المدى

طقس اختفاء – معتز صلاح، دار ساوند للنشر

ثلاثية الأجراس – إبراهيم نصر الله، دار العربية للعلوم ناشرون (النسخة المصرية: مكتبة تنمية)


هل وصلتك النشرة عبر صديق؟ يمكنك التسجيل لتصلك فور صدورها عبر هذا الرابط

كتب وأعدَّ هذا العدد: مصطفى على أبو مُسلم – راجعته ودقَّقته: كوثر الشُريفى

عن مصطفى علي أبو مسلم

مصطفى علي أبو مسلم
صحفي ومدير إحصاءات واستراتيجيات الجمهور بمجموعة سبرنجر نيتشر