دفتر بحجم الكف بلا سطور وبرسومات طفولية.. لعله آخر ما استخدمته من دفاتر بهذا الحجم والنوع

الرسائل (0): حياة باتساع السطور

العدد (صفر) من نشرة “الرسائل”، وموضوع النشرة البريدية “الكتابة عن الكتابة”، صدر العدد في 8 ديسمبر 2023.

صفر

بهذه الرسالة أبدأ مشروعي المؤجل، نشرة بريدية غير دورية موضوعها “الكتابة عن الكتابة”.

تنفلت إلى هذه المساحة بعض تدويناتي وسطورًا من رسائلي إلى المقربين، وأغلبها عما أقرأه وأسمعه عن الكتابة، بالإضافة إلى بعض المشاهدات والتجارب الشخصية عنها.

لا أتوقع أن تتحول هذه النشرة إلى ورشة أو مدرسة أو أي شيء آخر غير تدوينات أغلبها ذاتية عن الكتابة تصل إلى من تربطه علاقة خاصة بذلك الفعل المُربك.

أُرسل وأهدي هذا العدد من النشرة إلى بعض من أفراد دوائري المُقربة، ولا أمانع دعوة أحد إلى الاشتراك بهذه النشرة، أو تمرير هذه الرسالة (أو العدد) لأي ممن ترونهم قد يهتمون بهذا النوع من الرسائل.

أخيرًا، أخص إهداء هذا العدد الأول، والمُرتجل، إلى رفيقي كوثر الشريفي وهاني المصطفى، وإن كنت أظنكما تستحقان إهداءً أفضل من ذلك.

حياة باتساع السطور

بحلول هذا الشهر، يمر عام من بدء تدوين يومياتي في دفاتر من المقاس المتوسط، بعد سنوات من حشر أفكاري ومشاعري في دفاتر صغيرة بحجم الكف – كفي الكبير – وهي ملونة وبلا سطور وتحتل رسومات طفولية مساحات ليست هينة من صفحاتها.

اضطررت إلى استخدام دفترًا مُسطرًا عندما لم أجد نوعي المفضل من الدفاتر في مكتبات سمير وعلي حيث تعودت شراء نسخًا مكررة من نفس الدفتر تقريبًا كل مرة، حتى أنني اشتريت دفترين متماثلين عندما وجدتهما على الرف، لأؤمن مخزوني من الدفاتر التي أرتاح لها.

ولعدة أسابيع فشلت في إيجاد دفترًا مناسبًا لمزاجي المسيطر في كل المكتبات، حتى أنني سخرت بعضًا من أصدقائي للبحث عن دفتر جديد لي بشروطي الخاصة، ولم يفلح أحدهم في مساعاه أو حتى فهم حاجتي إلى هذا الدفتر بهذه الشروط، وكانت النتيجة أن أشتريت دفترًا عاديًا، أدون فيه مؤقتًا حتى أجد ضالتي، لأنني كنت مشحونًا بأفكار ومشاعر تخص حدث فارق في حياتي حينها وأريد تدوينها بغرض التسجيل واستقصاء أبعادها تحليلًا.

قادني هذا الاضطرار، وغالبًا المساحة الواسعة في الصفحات البيضاء، إلى الاستطراد في شرح ما كنت أفكر به، وساعدني على استيعاب مشاعري المُركبة والمربكة آنذاك.

كتبت لثلاثة أيام متواصلة، وأنا ألاحق مستويات عدة لأفكاري ومشاعري، أعيد معها صياغة سرديات مختلفة لقصة، أو قصص، حقيقية كنت أنا بطلها. كتابة محمومة ومُرهقة، ومع ذلك تمتعت بقدرة استثنائية على التحرير، تحرير روحي من آلام متراكمة.

شعرت براحة شديدة كلما انتهيت من نوبة كتابة، لكن سرعان ما تزول هذه الراحة، فأفتح دفتري الذي أصطحبته إلى كل مكان في عطلتي السنوية آنذاك، وأدون فيه جالسًا على كرسي بلاستيكي بمقهى، أو دكة خشبية بحديقة، أو كرسي مبطن في كافيه، مستدعيًا ومنتظرًا لتلك الدفقات الكتابية.

ولهذه الدفقات فضلًا عليّ كإنسان بات يعي عن نفسه أكثر مما يجهل، ويرتب أفكاره وأولوياته، لكن فضلها الأكبر أنها جعلتني كاتبًا أفضل.

قبل شهرًا من هذه الحالة، تركت قلمي، على سبيل المجاز إذ كنت أكتب على الكمبيوتر، ولم أعد أكتب في رواية راوغتني على مدار سنوات، وكتبت فيها من الكلمات الآلاف، وفشلت تمامًا في الوصول لشيء أستطيع أنا نفسي، كاتبه، فهمه.

وعندما كتبت تلك القصة الحقيقية، مستعينًا بالصدق الذي وفرته سرية دفتري، لمست الأبعاد الخفية في بناء الشخصيات الحقيقية حولي، وأن للحدث ذاته عدة سرديات وتأوليات يمكن لأغلبها أن يكون صحيحًا، على الأقل من وجهة نظر أصحابها، وإن بدت في مجملها متناقضة.

ولعلني لمست لأول مرة، متأخرًا، ما يلتفت إليه الأدب، ويحلله ويعيد رسمه ثم يقدمه لمن استلهم منهم روحه، وكان غائبًا تقريبًا عن الكثير مما كتبته حتى هذا التاريخ. وأحسب أنني منذ حينها وأنا التقط من الحياة صورًا ومشاهدات أفضل وأكثر اكتمالًا وعمقًا مما عهدته من نفسي، وأصيغ بعضها في يومياتي وقصصي بشكل أصدق وأقرب إلى نفسي.

ومنذ هذه الحادثة، التي لا أستطيع وصفها إن كانت سعيدة أو مُحزنة، وأنا أمنح الكتابة المساحات الكبيرة في الدفاتر الواسعة، فلم أعد للتدوين بالدفاتر الصغيرة، والوقت الكافي، فلم تعد الكتابة اليومية فعلًا هامشيًا في حياتي، لكي تمنحني هذا الاتصال الوثيق بذاتي، والقدرة على التقاط وتسجيل ما يدور حولي تدوينًا وأدبًا.

قراءات

أرشح سلسلة مقالات “اكتشاف الجسد” للكاتبة لبنى أحمد نور لأنها أحد أصدق وأجرأ التدوينات التي كتبها أحد أصدقائي.
تستكشف لبنى، وهي شاعرة ومترجمة مصرية، في 24 حلقة، المعاني الأساسية في الحياة مثل النمو والنضج والحب والحياة والموت والقيم مستحضرة دور الجسد فيها، وتأثره بها، ذلك العنصر الغائب في الكثير من الكتابات، وإن حضر أحيانًا تم اختصاره في علاقات الحب والجنس فحسب.

مجلة الحائط

هذه مساحة مخصصة للأصدقاء، تٌنشر فيها آرائهم وتعليقاتهم، وربما تدويناتهم عن الكتابة إن أرادوا. أستقبل هذه المساهمات، بالرد على هذه الرسالة أو عبر بريدي الإلكتروني: [email protected]

عن مصطفى علي أبو مسلم

مصطفى علي أبو مسلم
صحفي ومدير إحصاءات واستراتيجيات الجمهور بمجموعة سبرنجر نيتشر