من بين كل الطرق التى كان يمكن لفيرجينيا وولف اتباعها لصياغة سرديتها عن “النساء والكتابة” اختارت التنقل بين الواقع والخيال، وقد تحتاج إلى التوقف عن القراءة أحيانًا لتسأل نفسك عن حقيقة بعض ما أوردته فى كتابها، وربما تبحث على جوجل أو تسأل جيمينى إن كانت حادثة وفاة عمتها حقيقية، أو إن كان البروفيسور فون إكس مؤرخًا بحق.
عقدت وولف اتفاقًا مع قراء كتابها “غرفة تخص المرء وحده” يُمكِّنها من انتهاج أسلوبٍ أدبىٍّ تستفيد فيه من الحرية المكفولة للروائيين فى استخدام الخيال، وهو اﻷسلوب اﻷقدر على رسم تصوراتها وانحيازاتها التى أوصلتها إلى الفرضية التى يقوم عليها كتابها، وهى “إن أرادت المرأة الكتابة فيجب أن تمتلك غرفة تخصها وحدها ومبلغًا من المال”.
كان الاتفاق واضحًا إذ قالت “سوف تتدفق اﻷكاذيب على لسانى، ولكنها أكاذيب مشوبة بالحقيقة، وعليكن أن تسعين إلى تلك الحقيقة، وأن تقررن فيما إن كان أى جزء يستحق الاحتفاظ به. وإن كان اﻷمر غير ذلك فلتلقين كل ما أقوله إلى سلة المهملات، وتنسينه جملة وتفصيلًا”.
يجمع هذا الكتاب محاضرتين ألقتهما الكاتبة اﻹنجليزية سنة 1928، أضافت وغيرت فيهما وولف ليخرج الكتاب فى 6 فصول تقع فى حوالى 200 صفحة فى نسخته العربية، تشمل مقدمة المترجمة سمية رمضان.

وتسوق وولف فى الكتاب تسلسل أفكارها التى أدت بها إلى الوصول إلى الفرضية اﻷساسية للكتاب، وسردت هذا التسلسل فى سياق أحداث وقعت فى جامعتى أوكسبريدج للرجال وفيرنهام للنساء وهما جامعتان متخيلتان، باﻹضافة إلى قراءات من مكتبة المتحف البريطانى ومشاهدات وقعت فى هذه اﻷماكن وغيرها.
كان موضوع “النساء والكتابة” الذى طلب من وولف التحدث فيه يحمل بين طياته عدة احتمالات: أولها التحدث عن النساء وطبيعتهن، وثانيها النساء وما يكتبن، وثالثها النساء وما يُكتب عنهن، أما الاحتمال الرابع وهو ما تفضله أن تمزج بين الموضوعات الثلاثة، وهو لا شك أكثر إبداعًا وتعقيدًا بما يجعل من العسير تغطيته فى المحاضرة أو الكتاب، وفضلت وولف التركيز على إثبات فرضيتها اﻷساسية، وشرح الطريقة التى توصلت من خلالها إلى تلك النتيجة، وهى فى الحقيقة قد غطت الموضوعات الثلاثة أثناء عرضها لحججها.
اهتمت الكاتبة برسم أبعاد التباين بين أحوال الرجال والنساء فى سرد اعتمد على الوصف المفصل، ومن خلاله استطاع القارئ أن يلمس بنفسه أُبَّهة جامعة أوكسبريدج التى جرت أنهارٌ من الذهب والفضة من أجل تأسيسها وتطويرها، وكيف لا يُسمح للنساء المشى على مروجها أو دخول مكتبتها دون مرافقة أحد الرجال أو دون حصولهن على خطاب توصية من أحد اﻷساتذة، فى الوقت الذى لا تنعم فيه النساء بمميزات مماثلة فى جامعتهن الفقيرة.
ويبدو اﻹغراق فى الوصف ليس مجرد أسلوبًا أدبيًا تستخدمه وولف لتوصيل أفكارها فحسب، وإنما هو جزء أصيل من رسالتها التى تشجع على التركيز على السياقات عوضًا عن الاهتمام بالنتائج والمقولات الشائعة وقتها، والتى تستبعد قدرة النساء على اﻹبداع.
نرى هذه الرسالة واضحة فى تحدى الكاتبة للعرف الروائى الذى يذكر اﻷحداث والحوارات المهمة التى جرت أثناء تناول الغداء دون التعرض ﻷصناف الطعام، وراحت وولف تصف كل صنف على المأدبة المقامة فى جامعة أوكسبريدج، وفى الخلفية يمكن اﻹشارة إلى اﻷجواء والحوارات واﻷحداث وليس العكس. وسنكتشف فيما بعد أن حال العشاء الذى ستتناوله فى جامعة فيرينيهام لا يمكن مقارنته إلا بطعام الفقراء ولا يشبه غداء أوكسبريدج فى أى شىء.
يركز الكتاب على رسم صورة لحياة النساء قبل القرن الثامن عشر ليُظهِر عدم تكافؤ الفرص بين الرجال والنساء، وكثيرًا ما تلجأ وولف إلى استعمال الخيال فى توضيح الصورة مثل عقد المقارنة بين ويليام شكسبير وأخته المُتخيلة، والتى لا تقل عنه ذكاءً أو موهبة. عُقدت هذه المقارنة من أجل الرد على الزعم القائل بأنه لا يمكن لأى امرأة امتلاك عبقرية الشاعر والمسرحى الإنجليزى الأبرز فى القرن السادس عشر.
وتوافر لشكسبير فى طفولته – وفقًا لهذا السيناريو المتخيل – من رعاية موهبته والتعليم ما لم يتوفر لأخته المسماة جوديث، وكان قادرًا على مغادرة بلدته والبحث عن عمل فى لندن، حيث وجد لنفسه عملًا فى المسرح وهناك بزغت موهبته الفريدة، فيما لم تستطع جوديث القراءة بحرية وسط المهام المنزلية، وعملت على إخفاء ما تكتبه بحرص، بل حرقت بعضه بالفعل، وعندما تعرضت للضغوط من أجل زواجها، هربت إلى لندن ولم تجد عملًا لدى مدير المسرح، الذى قد يكون هو نفسه الذى تبنى موهبة شكسبير، لينتهى الأمر بالشابة الموهوبة حُبلى من مدير فرقة التمثيل بالمسرح، وتنهى حياتها فى أحد شوارع لندن.
استخدمت وولف ذلك الإطار الخيالى لمثال أخت شكسبير لأن الحقائق حول المرأة فى العصر الإليزابيثى – حيث عاش شكسبير أغلب سنوات حياته – تكاد تكون معدومة فى التاريخ، فـ “لا تُكتب سيرتها الذاتية، ولا تَكتب يومياتها بنفسها، ولم تترك خلفها أعمالًا إبداعية يمكن معها الحكم عليها من خلالها”.
أما عن الأعمال الإبداعية التى كتبها الرجال عن المرأة فهى لا تعبر عن حقيقة ما كانت تعيشه المرأة حقًا، وبحسب وولف تترك انطباعًا خاطئًا لدى قارئها بأنها كائن “فى غاية اﻷهمية؛ فهى تظهر فى مظاهر البطولة والدهاء واللؤم والبهاء والخسة، متناهية الجمال ومتناهية القبح، فى عظمة الرجال، بل إن بعضهم يضعها فى مرتبة أعظم. ولكن يظل هذا الوضع داخل حدود اﻷعمال اﻹبداعية. أما فى الواقع (..) فكانت تُحبَس وتُضرَب ويُلقَى بها فى قسوة على أرضية الغرف”.
على النقيض من السيناريو المأساوى لجوديث شكسبير، حظيت فرجينيا وولف على فرصة أفضل ضمن سيناريو آخر؛ فتوفت عمتها فى اليوم الذى حصلت فيه النساء على حق التصويت، وبالنسبة لوولف، فإن هذا الحادث – المتخيل غالبًا – كان أهم بكثير من حق التصويت.
أسلوبًا أدبيًا تستخدمه وولف لتوصيل أفكارها فحسب، وإنما هو جزء أصيل من رسالتها التى تشجع على التركيز على السياقات عوضًا عن الاهتمام بالنتائج والمقولات الشائعة وقتها، والتى تستبعد قدرة النساء على اﻹبداع.
نرى هذه الرسالة واضحة فى تحدى الكاتبة للعرف الروائى الذى يذكر اﻷحداث والحوارات المهمة التى جرت أثناء تناول الغداء دون التعرض ﻷصناف الطعام، وراحت وولف تصف كل صنف على المأدبة المقامة فى جامعة أوكسبريدج، وفى الخلفية يمكن اﻹشارة إلى اﻷجواء والحوارات واﻷحداث وليس العكس. وسنكتشف فيما بعد أن حال العشاء الذى ستتناوله فى جامعة فيرنهام لا يمكن مقارنته إلا بطعام الفقراء ولا يشبه غداء أوكسبريدج فى أى شىء.
يركز الكتاب على رسم صورة لحياة النساء قبل القرن الثامن عشر ليُظهِر عدم تكافؤ الفرص بين الرجال والنساء، وكثيرًا ما تلجأ وولف إلى استعمال الخيال فى توضيح الصورة مثل عقد المقارنة بين ويليام شكسبير وأخته المُتخيلة، والتى لا تقل عنه ذكاءً أو موهبة. عُقدت هذه المقارنة من أجل الرد على الزعم القائل بأنه لا يمكن لأى امرأة امتلاك عبقرية الشاعر والمسرحى الإنجليزى الأبرز فى القرن السادس عشر.
وتوافر لشكسبير فى طفولته – وفقًا لهذا السيناريو المتخيل – من رعاية موهبته والتعليم ما لم يتوفر لأخته المسماة جوديث، وكان قادرًا على مغادرة بلدته والبحث عن عمل فى لندن، حيث وجد لنفسه عملًا فى المسرح وهناك بزغت موهبته الفريدة. فيما لم تستطع جوديث القراءة بحرية وسط المهام المنزلية، وعملت على إخفاء ما تكتبه بحرص، بل حرقت بعضه بالفعل، وعندما تعرضت للضغوط من أجل زواجها، هربت إلى لندن ولم تجد عملًا لدى مدير المسرح، الذى قد يكون هو نفسه الذى تبنى موهبة شكسبير، لينتهى الأمر بالشابة الموهوبة حُبلى من مدير فرقة التمثيل بالمسرح، وتنهى حياتها فى أحد شوارع لندن.
استخدمت وولف ذلك الإطار الخيالى لمثال أخت شكسبير لأن الحقائق حول المرأة فى العصر الإليزابيثى – حيث عاش شكسبير أغلب سنوات حياته – تكاد تكون معدومة فى التاريخ، فـ “لا تُكتب سيرتها الذاتية، ولا تَكتب يومياتها بنفسها، ولم تترك خلفها أعمالًا إبداعية يمكن معها الحكم عليها من خلالها”.
أما عن الأعمال الإبداعية التى كتبها الرجال عن المرأة فهى لا تعبر عن حقيقة ما كانت تعيشه المرأة حقًا، وبحسب وولف تترك انطباعًا خاطئًا لدى قارئها بأنها كائن “فى غاية اﻷهمية؛ فهى تظهر فى مظاهر البطولة والدهاء واللؤم والبهاء والخسة، متناهية الجمال ومتناهية القبح، فى عظمة الرجال، بل إن بعضهم يضعها فى مرتبة أعظم. ولكن يظل هذا الوضع داخل حدود اﻷعمال اﻹبداعية. أما فى الواقع (..) فكانت تُحبَس وتُضرَب ويُلقَى بها فى قسوة على أرضية الغرف”.
على النقيض من السيناريو المأساوى لجوديث شكسبير، حظيت فيرجينيا وولف على فرصة أفضل ضمن سيناريو آخر؛ فتوفت عمتها فى اليوم الذى حصلت فيه النساء على حق التصويت، وبالنسبة لوولف، فإن هذا الحادث – المتخيل غالبًا – كان أهم بكثير من حق التصويت.
أسفرت وفاة العمة عن إرث مالى كبير يُقدَر بخمسمئة جنيه سنويًا تحصل عليها وولف سنويًا حتى نهاية حياتها، وبهذه الثروة امتلكت سلطة وقدرة انمحى معها من نفسها أثرُ الصدأ والتآكل، وذهب شعورها بالخوف والمرارة، وشعرت بأن ما من قوة تستطيع أن تسلبها اﻷثر الذى أحدثته تلك الثروة.
بنهاية الكتاب تستطيع أن تفهم لماذا لجأت وولف إلى هذا اﻹطار الخيالى لواقع النساء قبل القرن الثامن عشر، إذ مكّنها من بناء سردية متماسكة كان من الصعب تشكيلها بجمع حقائق متناثرة فى كتب التاريخ عن النساء، وبالاعتماد على صور استثنائية لسيدات فى اﻷدب لا تبدو أحوالهن متطابقة مع ما تعيشه النساء العاديات فى الحياة اليومية فى تلك الحقبة. فهل كانت ستتبع وولف النهج نفسه بعد ما يقارب قرنًا من الزمان وقد توافرت لدينا معلومات أكثر عن النساء وأدوارهن فى التاريخ وصناعة الحضارة؟
بنهاية الكتاب تستطيع أن تفهم لماذا لجأت وولف إلى هذا اﻹطار الخيالى لواقع النساء قبل القرن الثامن عشر، إذ مكّنها من بناء سردية متماسكة كان من الصعب تشكيلها بجمع حقائق متناثرة فى كتب التاريخ عن النساء، وبالاعتماد على صور استثنائية لسيدات فى اﻷدب لا تبدو أحوالهن متطابقة مع ما تعيشه النساء العاديات فى الحياة اليومية فى تلك الحقبة. فهل كانت ستتبع وولف النهج نفسه بعد ما يقارب قرنًا من الزمان وقد توافرت لدينا معلومات أكثر عن النساء وأدوارهن فى التاريخ وصناعة الحضارة؟
على فكرة