يوميات النشرة
كلما قرأت نصًا لكاتب يعتمد فيه على ذكرياته الشخصية أحسده؛ لا أملك رصيدًا كافيًا من الذكريات ينفعنى فى الكتابة، أو لعلنى أملك ذكريات لكنى لست قادرًا على استدعائها. فى هذا العدد أقدم نصًا عن استدعاء الذكريات السعيدة وإعادة بنائها بعد مرور زمن على حدوثها. وهو نص كتبته ضمن ورشة الكتابة الإبداعية غير الخيالية، وساهم فى تطويره كلٌ من ميسر الورشة مينا ناجى وزملائى المشاركين بها.
أقدم أيضًا كتاب غرفة تخص المرء وحده لفيرجينا وولف، ليس باعتباره نصًا مؤسسًا لحركة النقد النسوى، وإنما كيف تنقلت وولف بين الواقع والخيال فى سرديتها لعرض حججها ولإثبات فرضيتها.
وأتوقف معكم أمام مقال الكاتب علاء خالد “تأملات في كتابة صنع الله إبراهيم” عن كاتبنا الكبير الذى رحل فى 13 أغسطس الماضى.

خطأ 409: نسخ متعددة لذكرى واحدة
مصطفى على أبو مُسلِم
حتى وقت قريب لم يكن لدىِّ ذكريات مشتركة مع شخص آخر سواى. لم أندمج مع زملاء الدراسة، وكانت علاقتى متوترة بالأولاد فى الشارع الذى نلعب فيه ونسكنه، وأنسحب من كل تجمع عائلى تقريبًا؛ لم يكن أىٌ من حضورى أو غيابى شيئًا يُلفت الانتباه.
منحتنى هذه العزلة – التى تبدو لى اختيارية وقدرية على السواء – مساحات لا نهائية للسباحة فى عالم الخيال عندما كنت صغيرًا، وذكريات مشوشة لا يعيننى على تذكرها أى شخص شاركنى إياها.
أستمع إلى ذكريات الآخرين بتفاصيل تشبه فى دقتها وصف صورة أو لوحة يرونها في التو واللحظة، أصدقهم لأنه لا داعى أبدًا للكذب، أو لادعاء يقين زائف حول أى شىء.
أنكرت على نفسى تصديق نسختى من ذكريات نادرة شاركت فيها آخرين، عندما تختلف تفاصيل نسختهم عن نفس الذكرى؛ من أكون أنا لكى أكذب هؤلاء الأصدقاء الذين يتمتعون بذاكرة أفضل منى، ويمتلكون من الذكريات تلالًا ذهبية لا أجرؤ حتى على تمنيها!
لم أصف يومًا طفولتى بالسعيدة، لم أستدعِ ذكرياتٍ طرت فيها فرحًا وسط جلسات تبادل الذكريات التى عرفتها على كبر. هناك ذكريات متشابهة لدى كثير من الأصدقاء، حتى لو اختبروا بعضها قبل معرفتهم ببعضهم، أما أنا فأستمع فحسب. فهل اختبرت السعادة فى طفولتى مثلهم لكنى لا أستطيع استدعاء ذكرياتها لأننى كنت وحدى ولم يشهد على سعادتى أحد؟
***
باستثناء ليالى العيد، لا أذكر إصابتى بنشوة السعادة. وحدها ملابس العيد التى تحمل رائحة مميزة هى ما استطاعت منع النوم عنى بسيف الحماسة، غير هذا لم يؤرق منامى إلا القلق.
تمر اللحظات السعيدة علىِّ بهدوء وبساطة، ويحتار المحيطون بى فى فهم أسباب ما يبدو لهم اقتصادًا منى فى الشعور بالسعادة أو فى التعبير عنها.
وحدها لحظة زلزلت كيانى بقيت متشبثةً بذاكرتى الهشة، وصارت مرجعًا قياسيًا – Benchmark بلغة الإدارة – لتحديد قوة مشاعر السعادة الغامرة فى حياتى. لم تتخط أى لحظة تالية هذا الـ Benchmark.
***
لم يعلق بذهنى من منهج الفلسفة، التى درست مدخلًا إليها فى الصف الأول الثانوى، سوى تعريفات متفرقة عن السعادة. استوقفنى تعريفٌ ملتبسٌ للسعادة عرفت فيما بعد أنه يُنسب إلى أبيقور، فيعرفها على أنها حالة من السكينة يتحرر فيها الإنسان من الألم والقلق.
رفضت ظاهريًا هذا التعريف، كما هو متوقع من طالب مثالى يردد ما يلقنه أساتذته في المدرسة؛ إذ تعلمنا فى المدرسة وغيرها أن السعادة ليست هى الغاية الأسمى من الحياة كما يرى أبيقور؛ نزل الإنسان الأرض لكى يُختبر، وفى الاختبار صنوف شتى من الألم.
وعلى الرغم من رفضى للسعادة الأبيقورية، لم أمتلك يومًا تعريفًا واضحًا للسعادة، وسأكتشف بعد سنوات أننى سلكت على طول الخط طريقًا أبيقوريًا دون أن أدرى، أتجنب الألم والقلق من أجل الوصول إلى حالة من السلام الداخلى. والنتيجة أننى كلما أمعنت في التجنب نلت نصيبًا مضاعفًا من الألم والقلق.
بإمكانى التحدث لساعات طويلة عن سيطرة القلق على طفولتى، وعن كل تجارب الهروب من ألم متوقع من عقاب الأساتذة، وعض الكلاب، ورفض الناس؛ فهل عشت لحظات خالية من هذا الألم المُتخيل وتحققت فيها سعادتى؟
أعرف أن الذاكرة مخادعة، وتُنكَر لأسباب مختلفة ويصعب تفسيرها بعض الذكريات، لذا فقد أكون قد شعرت بنشوة السعادة فى مناسبات لا أذكرها، وللأسف لم أبدأ فى تدوين يومياتى إلا منذ سنوات قليلة لأواجه بها انتقائية الذاكرة، وإن كان تدوين اليوميات عملًا انتقائيًا أيضًا، لكنه مُوثق ويمكن الرجوع إليه.
***
على بُعد شارعين من منزل أسرتى فى السيدة زينب تقع حديقة الحوض المرصود، أو الحديقة الثقافية للأطفال، وأستطيع حتى هذا اليوم أن أراها بطرازها المعمارى الفريد ونخيلها المتمايل مع نسمات الهواء وأشجارها المعمرة من نافذة الغرفة التى شاركت فيها أخى.
عشت سنوات طفولتى أجرب حظى مع الأنشطة الثقافية والفنية بين أسوار هذه الحديقة، وأقضى أغلب ساعات نهار الصيف مستلقيًا على حشائشها تحت ظلال الأشجار. أزعم أننى تمتعت بامتياز لم يحظَ به الكثيرون من أبناء جيلى الذين يعيشون فى عاصمة الخرسانة والحجارة، ولا يزورون الحدائق إلا نادرًا. ويمكننى كتابة عشرات الفصول فى وصف جنتى المفقودة التي حُرمتُ من دخولها بعد بلوغى سن الثمانية عشرة بحسب لوائح الحديقة التى لا تُرحب بدخول غير الأطفال.
فى المرحلة الإعدادية أثمرت محاولات الكتابة عن قصة قصيرة وأردت المشاركة بها فى مسابقة أدبية بعنوان “الطفل الموهوب” تحت رعاية “ماما سوزان”، وتطوع الأستاذ عمر الشيباوى، أمين المكتبة الملحقة بالحديقة، لتبييض قصتى بخط يده على ورق فلوسكاب من أجل تقديمها لإدارة المسابقة فى شكل مقبول.
تعذر على الأستاذ قراءة نكش الفراخ الذى كتبته، فغر فاه وقال بلسان ثقيل وصوت أخنف ولغة عربية سليمة إن خسارتى للمسابقة مضمونة لو قدمت قصتى بهذا الخط الردىء، وانتهى بنا الأمر إلى إملائه ما فى كراستى المهترئة.
جلست متململًا أمام الأستاذ، ولم يعجبنى توقفه المتكرر ليسألنى – بغرض التصحيح – عن معنى كلمة، أو عن إعراب أخرى. فعل هذا بطريقة أستاذ لُغة عربية انتُدب للعمل بالسعودية. أردت إنهاء هذه المهمة سريعًا، لعلنى كنت متأخرًا كعادتى عن موعد التسليم، أو كان هذا عرضًا مبكرًا لحياة القلق التى استولت على أغلب سنوات حياتى.
لا أعرف كم قضينا من وقت فى هذه العملية. توقف الأستاذ عمر فى نقطة ما ليرتاح، أو ليختبر صبرى، أراح ظهره على كرسيه الجلدى ونظر إلى النافذة التى تطل على جانب من الحديقة، أشار بعد لحظات لكى أراقب معه المشهد.
تمتد خيوط عنكبوت لا أراه من خلف زاوية شباك، علقت بها حشرة حاولت كثيرًا الفكاك منها، وشيئًا فشيئًا بدأت قوة ما تسحب الخيوط إلى الزاوية حيث كان يتربص العنكبوت الخفى.
بدا على وجهى الضجر، أو لعلنى قلت شيئًا عن رغبتى فى مواصلة الكتابة، فقال لى الأستاذ، دون أن تغيب عن وجهه ابتسامة لا أحبها، إن مشهدًا كهذا لن أراه كل يوم، ويستحق التمهل أمامه وتأمله.
بالطبع لم أرَ مشهدًا مماثلًا من قبل، أعرف الحشرات والعناكب، وكيف تعاجلها الشباشب ورؤوس “الزعافات” قبل أن ترسم مشهد التربص والصيد.
عندما أفكر هذه الأيام فى لطف هذا الرجل وتساهله فى التعامل مع نزق طفل فى الإعدادية، وأنه فى الظروف العادية التى نعيشها يعدم الأسباب الُملزمة له لكى يساعدنى ويتحمل نزقى، ولكنه فعل، أشعر بتقدير بالغ تجاهه.
وأتخيل لو أننى تعلمت مبكرًا هذا الدرس، درس التمهل والتأمل، كنت لأوفر على نفسى ضغطًا لا ينتهى فى ملاحقة كل شىء دون التوقف لالتقاط الأنفاس وتعلم الدروس.
***
بجانب درس العنكبوت، قدم لى عُمر الشيباوى فرصًا على أطباق من ذهب كى أهزمه في مباريات الشطرنج، ولم التفت إلى حركات قطعه بقدر ما كنت أركز على إحكام خططى الهجومية. كان العالم كله يدور حول أفكارى، وكأنه لا يستطيع أن يأتى بمثلها، فأحبسنى معها داخل رأسى، وأنفذ ما عزمت عليه من “حركات”، متجاهلًا الكثير من المعطيات و”القطع”، متعجلًا لفوز لا يأتى.
وبعد الهزائم النكراء كنت أخرج من المكتبة ثائرًا، ليس لدى شك فى وضوح هذه الذكرى لأننى حتى اليوم يجن جنونى عندما أختبر الهزيمة فى مباريات الشطرنج، ويدهشنى أننى تعلمت التعامل مع الهزيمة فى كل شىء إلا هزائم الشطرنج.
أستطيع التأكيد على أننى لم أشعر بالسعادة أثناء اللعب والفوز النادر والهزيمة المتكررة، لكنى عندما أستعيد تساهله مع طفل نزق فى المرحلة الإعدادية، بل ومحاولة استرضائه بلعب أدوار أخرى من الشطرنج لمنحه فرصة للتعويض، أو الثأر لكرامته المتضخمة، أسأل نفسى ألا يمكننى وصف هذه اللحظات بالسعيدة؟
أشعر اليوم، وأنا على أعتاب الأربعين من عمرى، بالرضا تجاه لحظات اختبرت فيها القلق والهزيمة والغضب، ليس فقط لأنها انتهت وزال عنها كل ما صاحبها من ألم، وإنما لأننى رأيت الأثر الإيجابى هذه اللحظات على تكوينى الشخصى والنتائج الحالية.
يفترض دانيال شاكتر، عالم النفس الأمريكى، أننا فى كل مرة نستدعى حدثًا من الماضى فإننا لا نستعيد تفاصيله كما هى، وإنما نعيد بناءه بناء على معرفتنا ومشاعرنا الحالية. وقد أكون وصلت فى إعادة بنائى لذكرى مبارايات الشطرنج إلى ما قد يسميه شاكتر بالانحياز الإيجابى، أى تذكر الأحداث الماضية بشكل إيجابى وتلوينها بلون وردى، فتحولت موضوع ذكرياتى من الهزيمة والغضب إلى الحصول على الدعم والرعاية من أساتذتى فى سن مبكرة.
***
لم أنخرط فى تجمعات، هذا صحيح، لكنى لم أتوقف عن المراقبة. أقف بعيدًا أتابع فريق الكورال فى زيهم الموحد وهم يتجمعون بجوار قاعة الموسيقى كلما كان لديهم حفل خارج الحديقة.
بعد فترة لا أذكر إن كانت طويلة أم قصيرة بعد جلسة كتابة قصتى، رأيتهم ينتظرون أوتوبيس المركز القومى لثقافة الطفل الذى تتبعه الحديقة إداريًا كى يقلهم إلى المسرح الذى سيغنون على خشبته فقرة طويلة من الغناء التراثى.
لم ألحظ شيئًا جديدًا؛ نفس الوجوه، نفس التجمعات الصاخبة التى لا أجرؤ على الانضمام إليها أو حتى الاقتراب منها، لكننى شعرت بوخزة أو بوخزات حقيقية وغير مفهومة فى أماكن متفرقة من جسمى وأنا أراهم.
وجدتنى أسأل بعض أعضاء فريق الكورال ممن أعرفهم بالكاد من المدرسة أو الحديقة عن وجهتهم، وعرفت أنهم سيغنون بالمسرح الصغير بدار الأوبرا. وماذا فى هذا؟ لست عضوًا بالكورال، ولم أذهب يومًا إلى حفلاتهم؛ لماذا شعرت بأن هناك شيئًا ما يفوتنى؟
بعد عدة ساعات عاد الأوتوبيس بالكورال إلى الحديقة، رحل بعض الأطفال مع أهاليهم الذين كانوا ينتظرونهم، وبعضهم دخلوا الحديقة، قلة منهم يعرفون اسمى وراحوا يبحثون عنى، سألنى أحدهم إن كان اسمى مصطفى على فرددت بالإيجاب، فأخبرنى بأنهم كانوا ينادون على اسمى فى حفل توزيع جوائز المسابقة الأدبية؛ فلماذا لم أحضر؟
كل ما كنت أريده فى هذه اللحظة هو الوصول إلى سريرى، تغلبت على خدر كاد يشل ساقى، وبمعرفتى للاتجاهات المؤدية إلى منزلى مشيت دون رؤية واضحة. ولحسن حظى لم أضطر إلى عبور طريق به سيارات، واستخدمت أطرافى الأربعة فى صعود سلالم العمارة حتى منزلنا فى الدور الثانى، وتحاملت على نفسى ووقفت مجددًا، ضربت الجرس، وتوجهت إلى غرفتى ما إن فُتح لى الباب، واندسست فى الفراش ورحت فى النوم أو إغماءة على الفور.
***
استدعانى مدير الحديقة فى اليوم التالى، كان عقيدًا متقاعدًا من الجيش، تجمعت فيه كل سمات الصورة النمطية للرجل العسكرى المتقاعد، صوته خشن وجهورى، ذو نبرة آمرة حازمة تظهر فى كل عبارة تخرج من فمه حتى وإن كانت “صباح الخير”.
سلمنى شهادة تقدير وقلادة معدنية مطلية بلون ذهبى مزينة بنقوش وشعار المركز القومى لثقافة الطفل، وعلى الوجه الآخر اسم الجائزة “الطفل الموهوب”، معلقة فى سوار قماشى بألوان علم مصر، وموضوعة فى علبة قطيفة حمراء اللون.
أملانى إقرارًا على ظهر نسخة من جواب الدعوة إلى حضور حفل تسلم الجائزة.
“أقر أنا… إلخ… أننى تسلمت جائزة الطفل الموهوب… إلخ… وهى عبارة عن… ألخ… وهذا إقرار منى بذلك، التوقيع…”
تسبب خطأ فى كتابة العنوان فى وصوله لى فى اليوم التالى من إقامة الحفل، لذا فأنا أدين لأستاذ عمر الشيباوى بفوزى بالجائزة، وتفويت حفل تسلمها.
لف المدير العقيد جائزتى بورق جريدة كان يحملها وقال بلهجة لم أستطع مخالفة أوامرها.
“خد الجايزة وأطلع جرى على البيت، متخليش حد يشوفها”.
عدت إلى منزلى وخيالى يرسم مشهد التكريم الفائت: أمشى متأرجحًا بين الزهو والخجل بعد سماع اسمى، تطول المسافة بينى- حيث كنت أجلس فى الصف الأخير – هكذا اخترت موقعى – وبين سيدة مصر الأولى التى تنتظر تسليمى جائزتى على خشبة المسرح، وتصفيق زملائى يربكنى ويشعرنى بالفرح.
بهذه الصورة أكمل خيالى التجربة الناقصة، وكررها بصور أجمل وأكثر اكتمالًا كلما شعرت بإحباط فى سنوات تالية.
***
أتوقف كثيرًا أمام هذه الحالة العاطفية التى لم تتكرر مرة ثانية، بالطبع أصابنى الضيق لأننى لم أحضر الحفل، لكن المشاعر الغامرة التى عبثت بجهازى العصبى كانت مشاعر السعادة، لقد وصلت إلى لحظة اعتراف وتقدير غير متوقعة لم أحظَ بها فى أى جانب من جوانب حياتى… كنت أتمنى الفوز، لكنى لم أنتظر النتيجة.
تسببت نشوة السعادة فى حالة فريدة من الانهيار والألم، ومع ذلك إن سألنى أحدهم حينها عن شعورى لقلت إننى سعيد، ولو كرر سؤاله بعد عقدين أو ثلاثة عقود لاستعدت الذكرى ومعها الإجابة نفسها.
أعى أن جزءًا من تمسكى بهذه الذكرى على أنها الأسعد على الإطلاق هو نقصانها؛ لقد فزت في المسابقة ولم أتسلم الجائزة بنفسى فى حفل كبير، وبالتالى قام خيالى بجعلها الذكرى الأكثر اكتمالًا وجمالاً بين بقية الذكريات.
كانت لحظة الاعتراف والتقدير فى وقت غابت فيه قدرتى على الاندماج مع الآخرين، ولم أستطع إثبات كفاءة الانخراط فى أنشطة جماعية واضحة كما هو حال كل من فى عمرى من رواد الحديقة.
أما عن تلك الذكريات التى بدت لى مواقف عادية عند حدوثها، بل كانت غير جديرة بالالتفات، وتعاملت معها أحيانًا بنزق، مثل مراقبة صيد العنكبوت ومباريات الشطرنج، فقد منحها الزمن فرصة كى أرضى عنها، ولأضمها إلى لحظات طفولتى السعيدة، وإن لم تتسم مشاعرى تجاهها إلا بالرضا الهادئ لا فوران الحماسة.
رفوف

غرفة تخص المرء وحده
تأليف فِرجينا وولف
ترجمة سمية رمضان
مكتبة مدبولى – 2009
من بين كل الطرق التى كان يمكن لفيرجنيا وولف اتباعها لصياغة سرديتها عن “النساء والكتابة” اختارت التنقل بين الواقع والخيال، وقد تحتاج إلى التوقف عن القراءة أحيانًا لتسأل نفسك عن حقيقة بعض ما أوردته فى كتابها، وربما تبحث على جوجل أو تسأل جيميناى إن كانت حادثة وفاة عمتها حقيقية، أو إن كان البروفيسور فون إكس مؤرخًا بحق.
عقدت وولف اتفاقًا مع قراء كتابها “غرفة تخص المرء وحده” يُمكِّنها من انتهاج أسلوبٍ أدبىٍّ تستفيد فيه من الحرية المكفولة للروائيين فى استخدام الخيال، وهو اﻷسلوب اﻷقدر على رسم تصوراتها وانحيازاتها التى أوصلتها إلى الفرضية التى يقوم عليها كتابها، وهى “إن أرادت المرأة الكتابة فيجب أن تمتلك غرفة تخصها وحدها ومبلغًا من المال”.
كان الاتفاق واضحًا إذ قالت “سوف تتدفق اﻷكاذيب على لسانى، ولكنها أكاذيب مشوبة بالحقيقة، وعليكن أن تسعين إلى تلك الحقيقة، وأن تقررن فيما إن كان أى جزء يستحق الاحتفاظ به. وإن كان اﻷمر غير ذلك فلتلقين كل ما أقوله إلى سلة المهملات، وتنسينه جملة وتفصيلًا”.
يجمع هذا الكتاب محاضرتين ألقتهما الكاتبة اﻹنجليزية سنة 1928، أضافت وغيرت فيهما وولف ليخرج الكتاب فى 6 فصول تقع فى حوالى 200 صفحة فى نسخته العربية، تشمل مقدمة المترجمة سمية رمضان.
لمعرفة المزيد عن الكتاب اقرأ المقال التالى
قراءات

تأملات في كتابة صنع الله إبراهيم
علاء خالد – المنصة
يستعرض الكاتب علاء خالد سمات كتابة صنع الله إبراهيم عبر قراءة بانورامية لبعض أعماله، فباﻹضافة إلى ما اشتهر به أصلان من دقة التفاصيل واستخدام جمل شديدة اﻹحكام والقصر، يشير خالد فى مقاله إلى أبعاد أخرى ﻷسلوب أصلان مثل التجريب واستخدام لغة تستقى فرادتها من طبخ العامية والفصحى، وحس شعرى، ومغالاة فى استخدام الوثائق ضمن العمل اﻹبداعى.
اقتباس العدد
إن العمل اﻹبداعى كخيوط العنكبوت؛ قد يكون اتصاله بالحياة هشًا، ولكنه مرتبط بها من كل أركانه اﻷربعة، وإذا جذبنا تلك الخيوط فمزقناها لتبين لنا أنها لم تغزلها مخلوقات بلا أجسام وتركتها معلقة فى الهواء، وإنما هى من عمل بشر: تألموا وكانوا يرتبطون بأشياء مادية ملموسة مثل الصحة والمال والبيوت التى نحيا فيها.
فِرجنيا وولف (بتصرف) – غرفة تخص المرء وحده
على فكرة