يفترش الشباب الأرض أمام خشبة المسرح التي لا ترتفع أكثر من درجة سلم واحدة، كبار السن يجلسون في الخلف على كراسي خشبية مرصوصة على خشبة أعلى من المسرح. تتمايل ثلاثة فتيات أثناء غنائهن. يبدو الوضع كأي حفل غنائي آخر، لكنه بدا بعد عدة أغاني كمظاهرة.
فتاتان ترتديان فستانين قصيرين فوق الركبة، تتوسطهما فتاة نحيلة في بنطلون فضفاض وبلوزة طويلة وحجاب، يبدو وجهها مألوفا للبعض، تحكين قصصا في الفواصل بين الأغاني، أغلبها يضحك الجمهور لكنها تحمل أحيانا ملمح من القسوة والمرارة.
تحكي ميام محمود بصوت يهزه التأثر عن تجربتها في برنامج مسابقات المواهب “آراب جوت تالنت” في نسخته الثالثة حيث تعرضت لهجوم شديد على منصات التواصل الاجتماعي بسبب كلمات أغانيها التي تؤديها بطريقة الراب، وهو أمر بدا غريبا للبعض; أن تؤدي فتاة محجبة هذا النوع وبهذه الجرأة.
كانت تخشى الفتاة العشرينية وهي في بيروت من تأثير هذه التعليقات على والدها في القاهرة، ولم تكن تعلم أنه يوزع مطبوعات على الناس في الشوارع من أجل التصويت لها دون أن يلتفت لتلك الآراء السلبية.
عندما عادت إلى بلدها قبل المرحلة النهائية التي لم تتأهل لها وجدت والدها ينتظرها بباقة ورد.
يبدو أن هذه هي القصة السعيدة الوحيدة في حفل إطلاق البوم بنت المصاروة. وهو مكون من 6 أغاني تم كتابتها في ورشة عمل جمعت 8 فتيات مصريات. لتحكي تجاربهن.
فقد قامت نظرة للدراسات النسوية في شهر يوليو ٢٠١٤ بفتح باب الاشتراك للراغبات في التعرف على الكتابة الغنائية من منظور نسوي للاشتراك بورشة بعنوان “عروستي”.
أنتجت الورشة العديد من الأغنيات التي تم تطوير بعضها والعمل على تلحينها وتوزيعها بالتعاون مع ستوديو بدروم بالأسكندرية.
ميام التي كانت تملك بعض الخبرة أدارت ورشة الكتابة الغنائية في يوليو ٢٠١٤ بمشاركة السينمائية شذى علي.
وهناك طُلب من المجموعة التي تراوحت أعمارهن من 16 وحتى 32 أن يكتبن ما يسمعهن من كلمات وعبارات وأحيانا أغاني تصنفهن وتعرضهن للتمييز. فيما بعد تم استخدام بعض هذه الكلمات في بعض الأغاني، بل وكتبت معارضة للأغنية الفولكلورية الشهيرة “قولوا لابوها إن كان جعان يتعشى”.
رأت المشاركات أن الأغنية الشهيرة التي كثيرا ما تتردد في الأفراح بالريف المصري بها أذى للمرأة وتقليل من شأنها.
تقول الأغنية في مطلعها “قولوا لأبوها إن كان جعان يتعشي
بنتك شريفه وغرقت الفرشة
قولوا لأبوها إن كان تعبان يرتاح
قفل متربس وجاله المفتاح”
تلك المفردات التي تشير إلى طقوس “الدخلة البلدي” المرتبطة بالتراث المصري القديم، والذي لم ينتهي بشكل كامل، هي التي أثارت إبداع الفتيات ليكتبن معارضة على نفس الوزن والقافية واللحن.
“قولوا لأبوها إبكي على الوكسة
مكسورة بإيدك والدموع ع الفَرشة
قولوا لأبوها ضحكوا عليك ضحكوا
لا شرفها بين رجليها”
مرفق مع الألبوم الذي وزع على الجمهور قبل بدء الحفل كلمات كل أغنية، بدت كثيرا منها مباشرة وأحيانا جريئة وصادمة مثل “عقلك بين رجليك ودماغك أرض بور.. أي كلام بنقوله بتهيج زي التور”.
المشاركات في المشروع يعترفن ضمنا بهذه السمة، فمديرة المشروع والمنتج الفني للألبوم ندى رياض قالت أثناء توجيه دعوتها للجمهور عبر رسالة على موقع صدى مصر “أغلب الانتقادات اللي بتتعرض لها مشروعات زي “بنت المصاروة” إنها صوتها عالي وبتزعق وبتقول رسايل بشكل واضح ومباشر ومنفر.. قد يكون ده فيه شيء من الصحة ولكن الواقع برضه بيدخلنا في حرب بشكل يومي.. حرب على المساحات الشخصية وحق الاختيار والحق في المشاركة السياسية وحرية الرأي وغيرها من الحروب الصغيرة والكبيرة.. نتمنى مع الوقت إننا نتطور فنيًا سواء على مستوى الكتابة أوالموسيقي أو الأداء الصوتي، ونتمنى إن الواقع كمان يتغير ومنضطرش نحارب من الأصل.. لكن في الوقت الحالي بنغني حرب كبيرة”.
لكن هناك بعدا آخر مهم تركز عليه دينا أحمد أحدى المشاركات في كتابة الأغاني وهو أن المشكلة ليست في المفردات الصادمة الموجودة في الألبوم المشكلة في أن هذه المفردات تسمعها الفتيات والسيدات كل يوم.
ومن خلال تجربة دينا كناشطة باحدى مبادرات مناهضة التحرش في مصر تقول أن المجتمع ينزعج من الحديث عن التحرش لا من التحرش نفسه.
ولا يقصد المشروع، بحسب دينا، اختيار هذه المفردات لعلاج المجتمع بطريقة الصدمة لكن كل المطلوب هو أن تعبر الفتيات والسيدات عن أنفسهن وعما يتعرضن له بحرية ودون قيود.
ومع ذلك فقد كان هناك محاولات لتخفيف حدة المفردات كما تقول مريم محسن والتي شاركت في الورشة أيضا، إذ كان لديهن الكثير لتفريغه حيال المضايقات التي تتعرضن له أثناء نشاطهم اليومي العادي في الشارع.
أما عن أهالي المشاركات فقد حضر بعضهم كأهل مريم، والتي قالت أن أمها هي من كان لديها ملحوظات على الأغاني خشية أن يتعرض احد لسمعة أبنتها بالسوء بسبب هذا الألبوم.
وتقول دينا إن ردود فعل الأهالي إيجابي حتى وإن حمل بعض الانتقادات “وقتها نتناقش معهم عن اعتراضاتهم ويدور حوار وهذا هو المطلوب”.
وتعتبر هاجر رمضان، أصغير مشاركة في الورشة -16 سنة، أن الالبوم ربما هو الأول في مناقشة قضايا المرأة والفتيات بهذا التركيز، فلم يكن هناك تجارب مشهورة، لاسيما تجارب ميام محمود، ثم أغنية أطلقتها المغنية منة حسين بالمشاركة مع زاب ثروت عن التحرش.