قد تبدو لك رواية الوقائع دورًا هامشيًا في الحياة، لكنها على قدر من الأهمية ما يجعلها تصيغ ثقافة أمم كاملة، وتتحكم في قرار حكامها، تحرك الجيوش، وتبني المدن، وتسقط الحضارات كما تبنيها. كذلك اختيار عناصر سرد “الرواية” يتحدد بموقع راويها منها، فيختلف تسلسلها الزمني، وموقعها، وأشخاصها، بل وبطلها المنتصر أو المُنتظَر.
بالأمس احتفل أكثر من 1.8 مليار مسلمًا حول العالم بأول أيام عيد الأضحى، وفيه يستكمل فيه المسلمين شعائر حجهم إلى بيت الله الحرام بمكة، وتُذبح فيه الأضاحي في مختلف بقاع الأرض إحياءً لذكرى “الفداء”.
وبرغم أن أغلب المسلمين يعتبرون أن قصة الفداء، حيث أُفدي ولد النبي إبراهيم بكبش بعدما جاء أمرًا إلهيًا بذبحه، تخص أبنه من هاجر النبي إسماعيل، إلا أن الرواية التوراتية تشير إلى أن المقصود هو النبي إسحاق.
وبينما تقع أحداث “الفداء” في النسخة الإسلامية بالجزيرة العربية، وفي نسخته التوراتية بأرض المرايا (جبل المرايا/ جبل يهوه) بالقدس (أورشاليم)، هناك “قصة” أخرى عن موقع هذه الحادثة تناقلها المصريون في عصور قديمة، نُقشت في صحن موجود بمتحف جاير أندرسون (بيت الكريتليه) المتاخم لمنطقة قلعة الكبش.
تتوسط منطقة قلعة الكبش حي السيدة زينب وحي الخليفة، وهي مقامة على أنقاض مدينة القطائع التي أسسها الخليفة الفاطمي (حكم: 868 – 884 م)، وعلى أطرافها أسس جامعه في موقع ما ظن أنه المكان الذي ناجى فيه النبي موسى ربه، وهي منطقة مرتفعة فوق جبل “يشكر”، ولهذا يطلق على المنطقة “قلعة” نظرًا لما تبقى من المدينة القديمة من أنقاض، أما الكبش فله قصص أخرى.
يقول السكان الحاليين إن سر تسمية الكبش تعود إلى أن عندما قرر مؤسسو قلعة صلاح الدين الأيوبي اختيار مكان قلعتهم الجديدة وضعوا كبشًا مذبوحًا بمنطقة قلعة الكبش، وآخر في المنطقة التي أقيمت فيه القلعة في النهاية، لاختيار أفضل المواقع من حيث جودة الهواء – وهي قصة شبيهة لقصة أبو بكر الرازي عندما اختار موقع مشفاه.
في الحدود الجغرافية نفسها يقع بيت الكريتلية، وهو مكون من بيتين اشتراهما الطبيب بالجيش الإنجليزي جاير أندرسون سنة 1935، وعمل على ترميمهما وإثرائهم بالقطع الفنية والأساس المشتراة من أسواق العاديات في مصر ومن التحف من بقاع مختلفة من الشرق.
عمل أندرسون أيضًا على جمع القصص والأساطير المرتبطة ببيته الجديد وقطعته الفنية في كتاب بعنوان “أساطير بيت الكريتلية”، وفيها ذكر قصة سمعها رئيس عائلة الكريتلية، وهو خادم ضريح “سيدي هارون الحسيني” صاحب المقام ذي القبة البيضاء في ركن حديقة المنزل، عن سر تسمية المنطقة التي صار يسكن على أطرافها، ويقال إن أندرسون قد أعاد صياغتها وربما حرف بعض تفاصيلها لتصبح أكثر تماسكًا من وجهة نظره.
في هذه القصة، والتي رسمها له خصيصًا المعلم عبد العزيز أبو شنب على صحن يعرض الآن بمتحف جاير أندرسون، يتلقى النبي إبراهيم الأمر الإلهي بذبح أبنه “الوحيد” في مصر، وهو في هذه القصة إسحاق ابن زوجة إبراهيم الأولى سارة، ويبدأ في تنفيذ هذا الأمر بخضوع منه وقبول أبنه على تلك الربوة، التي سميت بعد الفتح الإسلامي بجبل يشكر، قبل أن يفدى الأبن بالكبش الذي نزل بهذه البقعة المباركة.
شكر خاص للفنان حسن خالد.