كل شىء يقود إلى النتيجة نفسها.. لسنا منهم!

صورة أرشيفية

تكاد تنفجر خاطرة مخبأة تحت ركام يتكوم فى ركن ما داخل وعيى كلما اقتربت من أحدهم فى مقابلة أو محادثة عبر واتساب، أو ربما فى بوست (منشور) على لينكدإن، المنصة الوحيدة التى أملك بها حسابًا حتى هذه اللحظة.

ولا سياق بعينه يبرر حاجتى إلى اختبار استعداد الناس لسماع ما أود قوله، هى مجرد فكرة تدور وتدور فى عقلى كلما فتحت حاسوبى أو تفقدت هاتفى أو مررت عرضًا أمام التلفزيون المفتوح دائمًا فى منزلنا على نشرات الأخبار، وأود لو أخرجها من ذلك الحيز الضيق ليتسع عقلى وصدرى لأشياء أخرى فقدت كل مذاق ومعنى لما أفعله وأعيشه.

ببساطة؛ نحن لا ننتمى إلى هذا العالم، لسنا جزءًا منه، ويجب ألا يعنينا أمره، كما لا يعنيه أمرنا. والمفارقة أننا لا ننتمى إليه ونحن “أجنته” السابحة فى رحمه، نتغذى على ما يختاره لنا من “زبالة” يتناولها فى مطاعم الوجبات الجاهزة، فلا نملك أية فرصة للصراع معه ونحن صنيعته، ولا الاستقلال عنه ونحن داخله، ولا مشاعر أمومه منه تجاهنا أو بنوة مننا تجاهه.

أشعر بإحباط شديد، لنقل غضب وكره تجاه هذا العالم، كل العالم، لا مجرد الولايات المتحدة أو الغرب أو حتى الكيان الصهيونى، لأنه لم يوجد بلد واحد – بما فيها البلاد العربية – فعل ما يكفى لكى نظن أن هؤلاء الذين يبادون منذ أكثر من 75 عامًا مثلهم مثل غيرهم من البشر، يستحقون حياة عادية بحقوق أساسية.

لا أستطيع، منذ السابع من أكتوبر الماضى، التعامل مع أى شخص من تلك البلاد التى قدمت دعمًا وغطاءً للصهاينة فى سفك الدماء وتزوير التاريخ والاستيلاء على الأرض، دون الشعور بضغينة، دون استحضار تاريخ طويل من الاستعمار والاستغلال والشعور بالتفوق العرقى سمح لهم التعامل معنا ككائنات غير بشرية أو فى أحسن الأحوال كموارد بشرية ومستهلكين محتملين.

أما بالنسبة لتلك الصورة، صورة أننا أجنة فى رحم هذا العالم، هو ذروة الشعور بالقهر، لأننا لسنا إلا نتاج هذه “الحضارة” الغربية، تتغلغل ثقافتهم فى نسيج حياتنا اليومية، وغالبًا – نحن الذين أنفصلنا بالزمن واللغة والدين والثقافة عمومًا عن حضاراتنا القديمة – لا نقوى على مقاومة هذا العالم إلا بأدواته ومنهجه، لأننا تقريبًا لا نعرف غيرها، فنحاربه ونحكمه ويرتبط “نمط حياتنا الحالى” باستمراره، وبالتالى نحاربه ونسعى لبقاءه/بقاء ذواتنا التى نعرفها.

ومنظور الهزيمة هذا، لا الاستسلام، يؤثر يوميًا على حكمى على كل شىء تقريبًا، ولم أعد أستطيع التعامل مع معطيات العمل وأوجه الحياة الاجتماعية وحتى طبيعة الترفيه والتثقيف ببداهة الاعتياد، لكن دون إيجاد أى مسار أو نمط حياة بديل حتى الآن – نحن نتكلم عن لحظة يقظة لم تمتد لأكثر من عام حتى الآن. ما أقصرها تاريخيًا، وما أطولها من معاناة لهؤلاء البشر الذين يواجهون أهوالًا جهنمية كل يوم.

فى حد ذاته؛ تاريخ السابع من أكتوبر، فى حد ذاتها الإبادة البشرية فى غزة، تستحق التوقف، توقف الحياة كلها، والتوقف لإعادة الحسابات، لكنها على قدر هولها، تلك الإبادة.. ذلك الإجرام، جزء من كل، قطعة بازل – قطعة ركن – فى صورة نحن وهم.. من لم ننتمى يومًا لهم.

عن مصطفى علي أبو مسلم

مصطفى علي أبو مسلم
صحفي ومدير إحصاءات واستراتيجيات الجمهور بمجموعة سبرنجر نيتشر