بالكاد استطاع المنظمون أن يهيئوا القاعة المخصصة لاستقبال الضيوف في الموعد بالضبط. في السادسة مساءا كان هناك كاتبين أثنين قد وصلا بالفعل منذ دقائق، لم ينتظرا طويلا كتبا اهدائاتهم على النسخة التي احضروها معهما وغادرا على الفور.
تقف دينا يوسف أمام طاولة عليها بعض نسخ من كتب مستعملة وجديدة، تفتح كل منها على حدة، وتصور الاهداء المكتوب بهاتفها الذكي.
يجلس يوسف نبيل على كرسي خارج القاعة، محاولا ارتجال إهداءا يكتبه على روايته لشخص لم يقابله من قبل، ربما لن يقابله أبدا..
بينما يقف عبد الرحمن القاضي مرتبكا، يوزع نظره بين المنظمين، منتظرا فرصة ليفاتح أحدهم فيما جاء من أجله خصيصا من محافظته.
في عالم موازٍ، يجلس أحدهم في زنزانة ينتظر كتاب يحاول أن يوفره أحد هؤلاء.
كتابي من أجل المعتقلين
بالتدريج تمتلء الطاولة التي تقف أمامها دينا يوسف، أحدى مؤسسي مبادرة “كتابي من أجل المعتقلين”، وهي مبادرة أطلقها ناشطون من أجل دعم وتزويد المعتقلين على ذمة قضايا سياسية بالكتب منذ أربعة أشهر، ونجحوا في جمع 1200 كتاب لهم بالفعل، بحسب دينا، يتم توزيعها على سجون مختلفة، ثم جمعها من جديد، لإعادة توزيعها على سجون ومساجين آخرين.
تقول دينا إن دعم المعتقلين بالكتب بالإضافة إلى كونها رسالة تضامن مع من هم في السجون بسبب قضايا رأي، لكنها في نفس الوقت وسيلة مهمة لقضاء الوقت الطويل داخل السجون، خاصة عند حرمانهم من التريض.. تضيف “لا أحد يمكن أن يمنعهم من القراءة”
لكن هذا الحق الذي تتحدث عنه دينا أحيانا ما يقع تحت قائمة الممنوعات، برغم نص لائحة مصلحة السجون عليه، ففي أغسطس الماضي أعدمت حملة تفتيش على سجون أبو زعبل وطره 128 كتاب بحسب تقدير المبادرة، بعد محاولة متهمين جنائين الهرب، الأمر الذي أدى إلى منع دخول كتب أثناء الزيارة التالية للحادث، غير أن المبادرة نجحت في إدخال الكتب بعد أسبوع.
تتواصل المبادرة مع أهالي المعتقلين، ليدخل ممثلا من المبادرة مع كل أسرة لتسليم الكتب أو استلام طلبات كتب بعينها يطلبها المعتقلون، بعد الزيارة تعلن المبادرة على فيسبوك عن الكتب الناقصة والمطلوبة وتحصل على أغلبها من متبرعين يقدمونها من مكتباتهم الخاصة.
دعت المبادرة في النهاية الكتاب أنفسهم إلى التبرع بنسخ من كتبهم موقعة منهم للتضامن مع المعتقلين، لايصال رسالة تضامنهم سواء مع قضيتهم أو حقهم في الحرية أو المحاكمات العادلة، حسبما يرى الكاتب.
استجاب عدد من الكتاب بالفعل، تقول دينا، على رأسهم بلال فضل الذي أرسل أكثر من 40 كتاب من كتبه ولكتاب آخرين، وكذلك الشاعر بهاء جاهين، لكن أغلب الكتاب الذين تجاوبوا هم من الشباب.
جزء من الكاتب
يوسف نبيل، هو أحد هؤلاء الكتاب، حضر إلى المقر مصطحبا نسختين من رواية شارك في كتابتها مع الكاتبة زينب محمد بعنوان “العالم على جسدي”.
يقول نبيل إنه لا يملك تقديم شيء – في الوقت الحالي – سوى التضامن مع المعتقلين بهذه الطريقة، معتبرا أن العمل الأدبي هو جزء من المبدع، عندما يهديه فهو يعطي جزء منه.
الخط العام لرواية نبيل عن اكتشاف الذات، البطل ممثل مسرحي، يدخل في تجربة مسرحية كبيرة، ويقابل شخصيات تساعده على التعرف على جزء من ذاته، ربما هذا يعني شيء للمعتقلين في ظروفهم هذه، خاصة إنه لديه الوقت الكافي للتفكير وإعادة بناء الذات، بعكس الناس بالخارج المربوطين بعجلة الحياة.
يرى نبيل أن التضامن مع المعتقلين واجب، وأن المثقفين أمام خيارين إما اختيار الحق وهذا يعني أن اسمه لن يرى النور، أو أن ينصر الاستبداد لتحقيق مكسب سريع.
يضيف نبيل أن هناك من آثر السلامة بالطبع من الكتاب أو أخذ موقف مع السلطة وهم من الاسماء الكبيرة، لكن هذا لا يعني أنهم غالبية الكتاب، لكنهم ظاهرين بالصورة، وهذا طبيعي فالاستبداد يستعين بالمثقفين ورجال الدين ليهيئوا له الواقع النظري والعملي لممارسة استبداده.
محاكاة
عندما سمع عبد الرحمن القاضي عن المبادرة قرر هو وزملاء له من محافظة الغربية محاكاتها، والتحرك بشكل فردي، يبدو كل شيء جيدا والجميع متحمس، لكن الأمر صار مكلفا إلى حد ما، خاصة عندما يطلب أحد المعتقلين كتبا أكاديمية مرتفعة السعر، الأمر الذي يتعذر احيانا على المجموعة المكونة من طلاب بالأساس.
نجحت المجموعة في توفير بعض الكتب، ويحاول عبد الرحمن التواصل مع المبادرة الأم اليوم لتوفير باقي احتياجات المعتقلين الذي يعرف بعضهم بشكل شخصي.
يحكي القاضي عن أحد اصدقائه الذي قضى حتى الآن 9 اشهر بالسجن الذي صار قارئا نهما بعد دخوله السجن، صار الكتاب حياته كما يصفه القاضي، عندما يقترح عليه القاضي أسم كاتب أو كتاب يخبره أنه قرأه من قبل في هذه الفترة ويطلب غيره.
يبتسم القاضي بمرارة قائلا “لو ينفع اقول أن للسجن ميزة فهي القراءة بنهم.. بس مش عارف” يكررها مرات ويصمت.
3 تعليقات