أمضيت الأسابيع الأخيرة فى كتابة عدة مسودات لتدوينات مختلفة من أجل النشرة، ستمنحنى هذه المسودات رصيدًا كافيًا من أجل انتظام إرسال أعداد النشرة بشكل شهرى. هذا يعنى أننا سنغير اتفاقنا يا عزيزى المشترك، إذ ستصبح رسائلنا (أنا وأنت) نشرة دورية تصلك فى اليوم الأول من كل شهر، ويعد هذا إخطارًا بتحديث شروط وأحكام الخصوصية – اللهم هل بلغت! اللهم فأشهد.
معلش! هذا تنبيه واجب طبقًا لأحكام الـ GDPR.
كان لدينا مشكلة سخيفة مع المنصة المُستضيفة للنشرة الشهر الماضى، ربما لها علاقة باللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR)، أو غباء الذكاء الاصطناعى، أو لأسباب أشك أنها ذات صلة بالتمييز، أو جميع ما سبق، وعليه اضطررت إلى الاستغناء عن هذه المنصة واللجوء لأخرى.
ما علينا! إن كنت ممن سجل بريده الإلكترونى لتلقى هذه النشرة قبل 28 يناير الماضى، ربما يكون من الأفضل أن تعيد تسجيل نفسك مرة أخرى عبر هذا الرابط. هذا مجرد إجراء احترازى، إن لم تتخده لن يحدث شىء إن شاء الله – أو هكذا أتمنى.
شُيد لينهار.. هرم “بافنوس” المتداعى
مصطفى على أبو مُسلم
فى المرحلة الإعدادية، أعارتنى أستاذتى آنذاك إيمان نافع نسخة من رواية “تاييس”، لم تكن إيمان، التى ستصبح فيما بعد أحد أصدقائى، من النمط التقليدى لمشرفى الأنشطة بالحديقة الثقافية للأطفال (حديقة الحوض المرصود بالسيدة زينب) الذين يلتزمون تلقين الأطفال الذين يرتادون الحديقة معلومات وأفكار ضمن إطار الأنشطة الفنية والثقافية التى تحتضنها الحديقة، بل كانت تقدم فرصًا مختلفة لاكتشاف العالم عبر ترشيح الكتب والعروض المسرحية والمعارض الفنية، وكان هذا مهمًا فى عالم لم يكن يعرف الإنترنت بعد، لكن الأهم من ذلك كانت تسمع لتحليلاتنا لما نقرأه ونشاهده، لكن هذه قصة طويلة أخرى.
فى قرائتى الأولى لرواية “تاييس” لـ “أناتول فرانس”، أعجبت بشدة بالفخ الذى نصبه الكاتب الفرنسى لبطل روايته الراهب بافنوس، إذ أخرجه من عزلته لكى يُفتن بربة الجمال السكندرية “تاييس”، فيعشقها تاركًا إيمانه الغالى خلفه.
بعد ربع قرن من هذه القراءة وجدتنى معجبًا ببناء شخصية بافنوس الذى جعله مؤهلًا للسقوط أو التدحرج بقوة القصور الذاتى، إذ بطرف سبابته دفع فرانس الراهب المصرى، فتدحرج من فوق ارتفاع شاهق إلى مصيره المحتوم. لكن من أى قمة دفع فرانس شخصيته الرئيسية؟ وكيف وصل بافنوس إلى تلك القمة؟
مراجع تاريخية
اعتمد فرانس على قصة حقيقية عن قديسة عاشت في القرن الرابع الميلادى بالإسكندرية وقد عملت فى حياتها قبل الرهبنة كممثلة أغوت الكثير من الرجال، وعندما سمع بها القديس “بساريون” ذهب إليها وحاورها فاستجابت لدعوته فحرقت كل زينتها ومتعلقاتها فى السوق ورحلت معه حيث أودعها بدير العذارى، ثم عاد إلى صومعته.
أجرى فرانس العديد من التعديلات على كثير من الشخصيات المسيحية التاريخية التى وردت بالرواية، بل واستخدم ثلاث رهبان حقيقيين كمرجع لشخصية روايته “كاهن بلدة أنصينا الراهب المعتزل بافنوس”، إذ يعد هذا البطل الروائى نتاج دمجًا لشخصية القديس بساريون الذى نُسب له الفضل فى هداية تاييس التاريخية، وشخصية بافنيوس الصعيدى الذى لعب الدور الأبرز في هدايتها فى روايات أخرى، والقديس سمعان العمودى الذى صعد إلى قمة عامود لفترة طويلة وله الكثير من الكرامات كما فعل بافنوس فى الرواية*.
هرم مُتصدع
تتكون الشخصية الروائية عادة من ثلاثة جوانب يُبنى منها هرمًا متماسك التكوين وإن احتوى على الكثير من التناقضات، هذا حالنا جميعًا فى الحياة الواقعية، نجمع بين الشئ ونقيضه، لكننا بشكل ما نبدو من الخارج كشخصيات متسقة.
عندما قدم فرانس الراهب روائيًا رسم لنا هرمًا متماسكًا للشخصية، ومع ذلك أحدث صدعًا رهيبًا فى أحد أضلاعه لكى يشهدنا على حادث انهيار الهرم (بافنوس) على مهل طوال صفحات الرواية التى نُشرت لأول مرة سنة 1890.
بقاعدة هرم الشخصية، أسست الرواية البعد البدنى لراهب معتزل يرتدى جميع من هم مثله ملابس من وبر الأبل، حيث يرى هؤلاء الزُهاد الذين اتخذوا الصحراء ملاذًا لهم أنه لا أشرف من حلية للأجساد إلا البثور والقروح، وفى عدة مواضع أخرى فى الرواية تظهر هيئة هذا الزاهد بشكل رث ومروع فى نظر الشخصيات الأخرى.
فوق هذه القاعدة شُيد المستوى الثانى من الهرم، فنعرف وضع بافنوس الاجتماعى أثناء بدء أحداث الرواية على أنه أكثر الرهبان برًا وصلاحًا في بلدة أنصينا، بعد مغادرة الأب أنطوان، وقد أصبح له من التلاميذ أربعة وعشرين بنو أكواخهم على مقربة من كوخه، متخذينه قدوة في التقشف، وقد أشار فرانس سريعًا إلى مكانة هذا الرجل فى المجتمع السكندرى قبل سلوكه مسلك الرهبنة، فقد كان أبنًا لنبيلين من الإسكندرية هام بالشعر وأغوته حياة الملذات.
فى القمة يتجلى البعد النفسى شديد التعقيد لراهب زاهد، وسنكتشف مع الأحداث أنه متشدد تجاه من يختلفون معه مثل الزاهد ديموقليس الذى يشبه بافنوس فى عزلته وزهده لكنه لا يعرف المسيح، ثم كرهه للكاهن آريوس الذى يختلف مع كنيسته فى تعريف طبيعة المسيح، وهو في نفس الوقت يريد الخلاص لأرواح الخاطئين مثل غانية الإسكندرية تاييس، فيقرر شد الرحال إلى بلدته القديمة وسط مخاطر فتنة المعتزلين إن غادروا عزلتهم كما نصحه أحد الرهبان.
سينكر بافنوس على الدوام أن سعيه لهداية تاييس ما هو إلا رغبة شخصية فى استخلاصها من بين أذرع الرجال، ولهذا ستجده يكره رفيق صباه نسياس، ليس لفسوقه وإنما لأنه كان قريبًا من تاييس، وسيقاوم أمام نفسه أية خيالات أو خواطر تخص فتنة تاييس، وسيضرب فى فيافى الصحراء ليمارس تقشفًا وزهدًا لم يسمع أحد بمثلهما تكفيرًا عن أحلامه الدنسة بتاييس، بل وسيصعد إلى قمة عامود يعيشه فوقه ما يربو عن العام فى زهد وشقاء.
فى مستهل الرواية يرسم الكاتب حياة الرهبنة بصحراء طيبة، وكيف أن هجوم الشياطين والغوايات على الرهبان شيئًا طبيعًا لمن ترك الملذات وراءه، وقاوم رغباته، لكن المدهش فى بناء بافنوس إنه ألبس رغبته فى الفاتنة التى رآها فى صباه لباس القداسة، وحول السعى وراء هذه الرغبة إلى مهمة مقدسة، ولعل هذا التشوه هو سبب ذلك الصدع الذى يحاول بطل الرواية فى رأبه بكل الاختيارات التى شكلت مسارًا لأحداث الرواية.
سقوط “عامودى”
وعليه فإن كتابة شخصية مثل بافنوس هو المهمة الأكبر فى عمل أناتول فرانس، فبدون اندفاعها من قمة “قداسة” اعتلتها بغواية من الشيطان أو رغبة إنسانية بداخله، قمة تشبه التى اعتلاها فوق العامود، وانحدارها حتى تصل إلى حد الكفر والتجديف رفضًا لموت حبيبته تاييس دون أن يحصل عليها لنفسه، لم تكن لتكون هناك حبكة بمثل هذه القوة.
فى المقابل، دُفعت تاييس فى مسار بافنوس الهابط، وجُهزت بقصة أبيها الروحى “العبد أحمس”، الذى سيُعرف بين المسيحيين بعد مقتله بـ “القديس تيدور”، الذى عمدها فى صباها كمسيحية، قبل أن تختار حياة اللهو، ليشكل ظهور ذلك الراهب المفتون سببًا فى هدايتها، إذ كانت مستعدة لترك حياتها التى سأمت منها، وحرق كل ما يربطها بها، ولم تحتاج إلى إقناع بافنوس لها. وشكل لقاء الشخصيتين دوامة بدلت من أدوار الأثنين، وبالتالى من مصائرهما، الغانية إلى القداسة، والراهب إلى اللعن.
هناك أشياء كثيرة يقولها الكُتاب عن استقلال الشخصيات عن كاتبها، فتقول ما يخرج عنها لا ما يكتبه الكاتب، وتختار القيام بأفعال تشببها لا يقررها لها الكاتب، قد يكونوا هؤلاء الكُتاب محقين، أو مضطربين نفسيًا يعانون الفُصام مثلًا، لكن لا حبكة محكمة ولا أحداثًا نصدقها إلا بإعداد شخصيات حية تخوض هذه الأحداث بقوة واندفاع حقيقى كالذى قرأته فى رواية تاييس.
*المرجع: د. فوزى إبراهيم الحاج، تجليات تاييس في الأدب العربى: دراسة مقارنة – مجلة عالم الفكر (الكويتية)، سبتمبر 2015.
مجلة الحائط
نص
لا نص قصير يمكن ترشيحه للقراءة هذا العدد، مازال بإمكانك عزيزى المشترك استغلال هذه المساحة التى سأترك بقيتها فارغة فى هذا العدد من أجلك، لعلك تحتلها المرة القادمة بنص قصير (يُفضل أن يكون عن الكتابة)، لا تتجاوز عدد كلماته عن 150 كلمة (لن أرفض نصًا طوله 151 كلمة بالطبع)، أو أقل من 850 حرفًا (تُطبق نفس الشروط والأحكام).
تُرسل النصوص بأى طريقة، ومنها الرد على هذه الرسالة، أو التواصل معى عبر بريدى الإلكترونى:
مقال
دون باول وأدبها اللذان نسيهما العالم
موقع كتب مملة – ترجمة: أسامة حماد
لا أخفيك سرًا عزيزتى القارئة أن مشاعرى متضاربة حول المقال الذى أرشحه للقراءة فى هذه الزاوية. فمنذ قراءتى لعنوانه “دون باول وأدبها اللذان نسيهما العالم” شعرت باهتمام بالغ لمعرفة شئ جديد عما أسميه أدب المجهولين، ثم مع معرفتى لمصير الكاتبة الأمريكية، التى بدت بحسب المقال ذكية ونابضة بالحياة، أصابنى غم شديد، وبعدها نازعنى ذلك الخاطر الغريب بأنه قد يكون من الأفضل أن تعيش لمرة واحدة ثم يطويك النسيان. لكن ألا يرغب من لديه شغف بالكتابة أن تبقى أعماله حية تتوارثها الأجيال؟!
ترجم موقع كتب مملة الحلقة الثالثة من سلسلة حلقات نشرتها الإذاعة الوطنية العامة (الأمريكية) بعنوان قبور مجهولة: قصص من هارت أيلاند، إذ دُفنت الكاتبة باول فى أكبر مقبرة عامة بالولايات المتحدة دون شاهد، ولم تهتم جاكلين رايس التى كانت مسئولة عن تنفيذ وصيتها بتقرير مكان دفنها، كما لم تهتم بالقدر الكافى بنشر الأعمال الأدبية لموكلتها.
كتاب العدد
رسائل إلى روائى شاب
ماريو بارجاس يوسا
ترجمة: صالح علمانى – دار المدى
يفتتح الكاتب البيرونى ماريو بارجاس يوسا كتابه الرائع “رسائل إلى روائى شاب” بالرد على رسالة ذكرته بنفسه عندما كان فى مقتبل العمر ولديه ميل للأدب، لكنه لم يجسر على الكتابة إلى أعلام الكتابة آنذاك طالبًا للتوجيه.
وفر يوسا عناء التردد على آلاف من الكتاب الذين لديهم ميل يصعب تفسيره نحو الأدب، فكتب اثنتا عشرة رسالة ضمها كتابه الذى يقع فى 130 صفحة فى نسخته العربية من ترجمة صالح علمانى، والتى نشرتها دارالمدى.
وقد تناول كتاب الروائى، الحائز على جائزة نوبل في الآداب سنة 2010، عددًا من النظريات التى تخص الرواية، ومنها الميل الأدبى والقدرة على الإقناع والأسلوب والرواى والزمان والمكان ومستوى الواقعية.
الكتاب يقدم إطارًا فكريًا لعملية الكتابة الروائية بالاستناد على مراجع من علامات الأدب الحديث، خصوصًا فى فصليه الأولين الذين ركزا على الميل الأدبى بما تشمله من غموض، ومصدر موضوعات الروايات.
ستجد فى الكتاب عشرات من الاقتباسات التى قد تلهمك بعضها أو إحداها، بالنسبة لى أهمها ما ورد فى الفصل الأول فى تفسير الميل الأدبى، إذ ينصح يوسا بألا يبنى الكاتب المبتدئ أوهامًا عريضة تخص النجاح بالحصول على التكريم والجوائز وتحقيق أعلى المبيعات إذ أن هذه الأشياء “تتجن، وبعناد أحيانًا، من يستحقها بجدارة كبيرة، وتحاصر من يستحقها أقل، وتثقل عليه”. ويرى يوسا أن السمة الأساسية لهذا الميل أن يمتلكه يعتبره مكافأته الأفضل من أى مكافأة أخرى.
هل وصلتك النشرة عبر صديق؟ يمكنك التسجيل لتصلك فور صدورها عبر هذا الرابط
أما إذا كنت مشتركًا بالفعل، وقد أعجبتك هذه النشرة، فليس عليك إلا مشاركتها مع صديق بإرسالها إليه عبر البريد الإلكتروني، أو مشاركة رابط العدد (رابط)، أو دعوته للتسجيل ضمن المشتركين عبر رابط صفحة التسجيل.
وأخيرًا، أدعوكم جميعًا إلى إرسال تعليقاتكم حول هذا العدد أو حول النشرة من أجل تحسينها وتطويرها، وربما المساهمة في محتواها، بالرد على هذه الرسالة، أو مراسلتي بالبريد الإلكتروني: [email protected]