
– فرصة سعيدة.
فرصة سعيدة؟ قل فرصة خطيرة، فرصة مربكة، فرصة مهلكة … أين الفرصة أساسًا يا عزيزي؟ أنا ما زلت نائمة، وصبحك يغطي نصف الكرة الأرضية الآخر. هل حقًّا صافح سلامك اضطرابي؟ أم أنني كنت أحلم؟!
هذه المحطة دون غيرها، أتشكك في قدرتي على الإحاطة بها من جميع أطرافها، فهي باتساع كتابين ورسائل كثيرة، ورحلة من الأحلام والمشاعر، بدأت بالدهشة وانتهت بالرضوخ للواقع، بعد إدراكه على أقل من مهلي.
بدأ كل شيء في أبريل 2012، أي بعد مرور سنة بالتمام على رحيل أ. ش. وقطعي شوطًا في تجاوز قصته كما تقدّم في مقالين سابقين (12، 13). كنت وقتها في بدايات حياتي العملية، أنهي عملي في الثالثة مساءً وتأخذني خطاي إلى مكتبات وندوات ومعارض ودور سينما، أذهب إليها بصحبة نفسي، أدخل بصمت وأخرج بمثله، وأتأمل. بالأمس كنت في المنصورة، أقيم حفلة التوقيع الثانية للكتاب الأول الذي نشرته، وضمّنته مشاركات لحوالي ٨٤ مدونًا ومدونة. عن هذا الكتاب وما يليه، سيكون لي حديث مفصل آخر.
كنت قد اعتدت حضور ندوة تقام بصفة دورية في أحد المراكز الثقافية، ويستقبل مقدمها كل مرة ضيفًا جديدًا. لم أعلم من الضيف هذه المرة، ولم أسع إلى ذلك، تاركة نفسي — كالعادة — للمفاجآت التي قلما خذلتني. كنت من أوائل الحاضرين، اخترت مقعدًا لم يجاورني فيه أحد بعد، ومع توافد الناس، سمعت خلفي صوتًا، وصوت آخر يناديه باسمه الذي أعرفه جيدًا. ماذا؟ الشاعر العبقري هنا؟ ورائي؟ سأراه إن التفت؟
يمتدُّ فينا جنونٌ وتهوِيس
نتقاطعُ..
فيُعمَّى النَّبضُ والزّمن
نتماسُّ..
يكونُ خرَس.
رأيته للمرة الأولى وهو يعرض أفكاره ورؤاه، بصوته المتهدج وتعبيره الذكي والسلس. أعجبتني أفكاره المكتوبة، وها هي تثير إعجابي أيضًا، وهي طازجة، ينطق بها لسانه الآن. وحينما انفضت الندوة، عبر لي عن سعادته بلقائي، مثلما تقتضيه اللياقة، سكتُّ هنيهة في ارتباك ملحوظ، ثم قلت: أنا أسعد، مثلما تقتضيه اللياقة أيضًا.
مرحبًا.
تصيرُ حقيقيًّا يومًا بعد يوم
وأُجنُّ أكثر.
ما الأمر؟ أهو إعجاب امرأة برجل؟ أهو تعلق عاطفي؟ بدا كذلك في بعض ما كتبت، لكنه في جوهره لم يكن بهذا الوضوح والتحديد. كان مجرد وجوده في المكان ينبه حواسي ويوترني، وكانت ابتسامته تسحرني، إلى آخر ما هنالك مما كتبت عن افتتاني به. لكن، هل كنت أتطلع إليه كشريك محتمل أو مرغوب؟ ليس تمامًا، أو، من يدري فيمَ كنت أفكر؟ لنسأل بنتًا حديثة عهد بالمراهقة، عن طبيعة مشاعرها تجاه معلمها الذي تحبه. أراهن على أن مشاعرها ستكون أكثر تحديدًا من مشاعري.
كانت المرة الأولى التي أجلس إليه فيها وحدنا نتجاذب أطراف الحديث، أناوله هديته، ثم أتمشى معه لنحضر عرضًا مسرحيًّا اتخذته ذريعة لطلب لقائه. كنت بطبيعة الحال منتبهة إليه أكثر من انتباهي للمسرحية، وكنت أشعر باطمئنان وسعادة غامرة، امتدت حتى آخر لحظة وهو يودعني في طريقي إلى بيتي، ثم وصولي إلى غرفتي واندساسي في فراشي، وأنا أرتجف من الفرحة ومن الخوف. لا بد أنه يحل شريط الهدية الآن، ويرى اسمه في مفتتح الكتاب، ويقرأ مقدمتي التي أشرح فيها إعجابي به، وأتنصل من أن يكون انجذابًا عاطفيًّا، ولا أسأله شيئًا في مقابل مبادرتي الشجاعة.
مهما اقتربتَ احترقتَ
لأنكَ ضدٌّ.. لن تقترب
لأنكَ لأني.. لأني أنا
أنّى لنا؟!!
* الاقتباسات من كتابي «عن وإلى الحلم لا يؤلم» و«العذراء تقتل أطفالها».
اقرأ أيضًا:
- اكتشاف الجسد (1): ما قبل البلوغ
- اكتشاف الجسد (2): حديث العذرية والختان
- اكتشاف الجسد (3): جسدي المراهق
- اكتشاف الجسد (4): تفاعلات المراهقة
- اكتشاف الجسد (5): الزلزال الأول: موت الجسد
- اكتشاف الجسد (6): حياة البرزخ الأولى
- اكتشاف الجسد (7): موت أكيد للجسد
- اكتشاف الجسد (8): حكاية أحمد ومنى
- اكتشاف الجسد (9): الجسد والموت والخيال
- اكتشاف الجسد (10): اكتشاف الصمت
- اكتشاف الجسد (11): الفن والجسد والجمال
- اكتشاف الجسد (12): تجربة عاطفية زائفة
- اكتشاف الجسد (13): الخروج من الحب الزائف
- اكتشاف الجسد (14): اختلاط الصداقة بالحب
- اكتشاف الجسد (15): من النقاب إلى الحجاب إلى خلعه